لوحة الموناليزا.
ليست لوحة الموناليزا أو الجيوكاندا كمايسميها البعض مجرد صورة لأمرأة عادية تجلس أمام نافذة تطل علي منظر طبيعي يلفه الضباب والإ لأصبحت كآلاف من الصور التي تعالج نفس الموضوع ، ولكنها لم تبلغ شهرة الموناليزا من قريب أو من بعيد، ذلك لأنها ليست تسجيلا فوتوغرافيا لأمرأة تبتسم ولكنها تحمل أبعادا أكثر عمقا علي عدة مستويات ، فعلي المستوي التعبيري و الموضوعي ، حين نري أمرأه تبتسم بشفتيها فقط عكس آلاف من النساء الضاحكات المبتسمات اللاتي تزخر بهن الصور الفوتوغرافية أو الزيتية المحاكية الشكل الخارجي فقط ذلك أننا لو قمنا بتجربة بسيطة فأخفينا الشفتين فسنجد أن في العين أبتسامة لا تكاد تخفيها ولم يهمل الفنان تسجيلها بأعتبار أن العين نافذة الروح التي تطل منها أنفعالات الإنسان وإن نظرنا بطريقه أكثر عمقا لوجدنا أن رقة وضع اليدين وعدم قبض أحدهما علي الأخري وبساطة الثياب المتناهية ، تميل إلي التقشف بأكمامها البنية المشربة بصفره والعباءة الخضراء المطوية علي الكتفين وخلو اليدين من الحلي والخواتم بصورة لا تنم عن ذوق عصرها المفرط في بهرجة الثياب الملونة وتزيينها والتطريز والحلي ، وخاصة تلك التي ترتديها النساء في الطبقة الراقية، والألوان الهادئة للخلفية التي تكاد تبدو ضبابية تردد كلها هدوء الأبتسامة الفاترة ، ولهذا لا تكون الخلفية مجرد منظر تكميلي أستخدمه الفنان لملئ الفراغ خلف المرأة التي يصورها ، ويمكن بسهولة أن يستبدلها بغيرها دون أن يؤثر ذلك علي الموضوع، أو يغير من عمق ودقه ما يحدثه من أثر في نظر المشاهد، ولكنها جزء من عمل متكامل تم أختيار عناصره بعناية بحيث تكاملت الخلفية بألوانها وما يملأها من جبال ووديان و أنهار مع صورة المرأة الجالسة فى وضع مخروطي يمثل أثبت الأشكال و أكثرها أستقرار في العمل الفني ، اي انها كالنغمات التي تصدرها آلات متعددة لكل منها صوته المميز والخاص داخل سيمفونية متكاملة ، لا يشذ فيها عنصر لتؤدي الغرض المطلوب منها علي أكمل وجه .
ويدل الفنان رمسيس يونان علي ذلك في مقال نشر له في سبتمبر عام 1959 قائلا " ويكفي الدليل علي ترابط عناصر اللوحة أن نتأمل الوجه منفصلا عن بقية اللوحة أو مع جانب فقط من جوانبها فسنري عندئذ إذا نحن أمعنا النظر أن الوجه نفسه قد يتغير في شكلة ومضمونه " وهذا ما يؤكده د/ ثروت عكاشة في كتابه عن عصر النهضة "العين تسمع والأذن تري" مبينا أن فتور الأبتسامة والألوان مع رقة التفاصيل تعكس الحالة الأنفعالية للمشاهد، فالحزين يراها وقد شابتها مسحة حزن ، والضائق بحالة يراها تبتسم بسمة ساخرة متهكمه ، والسعيد يراها وكأنها تشرع في الأبتسام له بسعادة وهناء ، حيث أن البسمة بفتورها لم توضح صراحه حالة صاحبتها ولم تنحاز الخلفية بألوانها و تفاصيلها إلي أنفعال بعينه ، فلا كانت الألوان مرحة متلألئة ، ولا كانت داكنة مقبضة تبعث علي الشعور بالحزن ، ومن ثم أصبحت كالمرأة تعكس أفعال المشاهد.
ليست هناك تعليقات